أطر مسؤولية المرأة المسلمة الإطار الثاني مسؤوليتها في بيتها
البيت هو تلك المملكة الصغيرة التي تضم عناصره الأساسية: الزوج والزوجة والوالدين والأولاد في الغالب. فهو نعمة من النعم امتن الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنَا ) على عباده بها، ولا يعرف قيمته ويقدر قدره إلا أولئك الذين يعيشون في الملاجئ والخيام والشوارع وتحت الجسور والطرقات تنعم فيه الأسرة بخصوصياتها وشأنها كله، يقيهم من شدة الحر، ولسع القر، نوه الله سبحانه وتعالى بهذه النعمة الجليلة قال تعالى
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ﴾ [النحل: ٨٠]. قال ابن كثير عند هذه الآية: (يذكر تبارك وتعالى تمام نعمه على عبيده بما جعل لهم من البيوت التي هم سكن لهم
الانتفاع)
يأوون إليها ويستترون بها وينتفعون بها بسائر وجوه ولأهمية هذا البيت وعظم شأنه فقد نظم الإسلام شؤونه ووظائفه ووزع المسؤوليات على عناصره الأساسية وبالذات فيما يتعلق بالمرأة المسلمة فهي أم في البيت وزوجة كذلك، وبنت وأخت، فحقها في البيت عظيم ومسؤوليتها أعظم في تلك المملكة التي نشط أعداء الإسلام في هدم كيانها، لأنها النافذة العظيمة على المجتمع فإذا فسدت فسد المجتمع بأسره، فتوجهوا إلى أعظم عنصرين فيه، وهو المرأة أياً كانت والطفل
١- المنطلقات الشرعية في مسؤوليتها في بيتها:
تتحدد المنطلقات الشرعية في إبراز مسؤولية المرأة في بيتها من خلال كون مسؤوليتها أمانة عامة مكلفة بها. قال الله تعالى: ( ينأيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُودُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَقُولُوا أَمَسَتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: ٢٧].
وتنطلق هذه المسؤوليات من كونها مسؤولية وقائية
تلزم المرأة بحملها كما يلزم بها الرجل. قال تعالى (يناها الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَتَبِكَة غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: ٦] وتنظر الشريعة إلى هذه المسؤوليات كذلك من كونها رعاية عامة مسؤولة عنها في حدود صلاحيات قطبي المنزل الزوج والزوجة.
ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال : ألا) كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته - إلى أن قال - والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم) الحديث ()
كما تؤكد النظرة الإسلامية لهذه المسؤوليات على أهمية التوازن في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل. روى أهل السنن عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله يخطب في حجة الوداع، فكان مما سمعه قوله : (ألا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن ٢ - تفاصيل تلك المسؤولية : مسؤوليتها بصفتها زوجة
في كسوتهن وطعامهن) (۱)
وتكمن هذه المسؤولية بوظيفتها الأساس تجاه زوجها، وحق زوجها عليها عظيم، أعظم من حق والديها، ويأتي عظم حقه بعد حق الله سبحانه وتعالى، ويدل على عظم هذا الحق قوله تعالى: ﴿الرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [النساء: ٣٤]، فهو المسؤول عنها والقيم عليها والمشرف على شؤونها، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها))
وسئلت عائشة رضي الله عنها أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ قالت: زوجها وقال عليه الصلاة والسلام: (أيم) امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة) (۱)
و مقررات هذا الحق على النحو الآتي: الطاعة المطلقة له في غير معصية الله تعالى، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت) (۲)
قيل لرسول الله : أي النساء خير؟ قال: (التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره) (۳) حسن معاشرته وكف الأذى عنه، وينبني على ذلك إرضاؤه ومراعاة نفسيته، قال عليه الصلاة والسلام: (لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا) (١) التحبب إليه والتودد له، بأن تكون ودوداً، تبتسم في وجهه وتتلطف في مخاطبته، وقد وصف الله تعالى نساء الجنة بأنهن: عُرُبًا أَتْرَابًا ﴾ [الواقعة: ٣٧] والعروب هي المتوردة إلى زوجها. حفظه في غيبته في نفسها وماله ، وقد سبق الحديث في ذلك. ألا تتطوع بصيام وهو حاضر إلا بإذنه، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا
بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه) () حفظ بيته وصيانته، فلا تدخل فيه أجنبياً أو شخصاً يكره دخوله ولو كان أخاً لها، قال عليه الصلاة والسلام: (ألا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن (1) وطعامهن قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح ألا تكلفه من النفقة والقوت والكسوة ما لا يطيق، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ، وَمَن قُدِرَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ، فَلْيُنفِقْ مِمَّا ءَاتَنهُ اللَّهُ ﴾ [الطلاق: ٧] تحقيق مطالبه في حاجاته الخاصة ولا تمتنع عنه بلا عذر جاء في الحديث الصحيح إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه
فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح))
التزين والتصنع له لأجل أن ترغبه في نفسها، فيغض بصره ولا يطلقه في الحرام، وتحاول أن تتزين له بما يرغب، فلا تقع عينه إلا على جميل، ولا يشم بأنفه إلا رائحة طيبة، كما أنها لا تسمعه إلا كلاماً لطيفاً وعبارات حسنة.
الاعتراف بفضله وعدم كفران نعمته، ولا تجحد معروفه وبخاصة إذا ترى منه الذل والحرص، قال عليه الصلاة والسلام: (تصدقن فإن أكثر كن حطب (جهنم) ثم ذكر السبب في ذلك فقال ( لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير) () وفي الحديث الآخر : (لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط ) (٢) (۲) عدم الخروج من بيته إلا بإذنه ولو لزيارة الوالدين
والأحاديث في ذلك كثيرة. القيام بشؤون بيتها من مأكل وتنظيف وغيرها، وكذا القيام بشؤونه الخاصة من تهيئة لباسه وتنظيفه، وتهيئة أكله ونحو ذلك، روى البخاري ومسلم من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، واستقي الماء، وأخرز غربه وأعجن
وهذه فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله ﷺ تشتكي من تأثير الرحى في يدها، وتطلب خادماً يساعدها على هذه الأعمال، فيرشدها النبي بقوله (ألا أدلكم على ما هو خير لكما من خادم ؟ إذا أويتها إلى فراشكما أو أخذتما مضاجعكما فكبيرا ثلاثاً وثلاثين وسبحا ثلاثاً وثلاثين
واحمدا ثلاثاً وثلاثين، فهذا خير لكما من خادم)
ب _ مسؤوليتها بصفتها أماً:
الأم لها حق عظيم، بل لها أعظم الحقوق بعد حق الله تعالى قال تعالى: ( • وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَنًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كلاهُمَا فَلَا تَقُل هُمَا أُنٍ وَلَا تَبْرَهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَأَخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ أَرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: ٢٣، ٢٤]
والآيات المشابهة لها كثير.
وعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك). قال ثم من؟ قال: (ثم أمك). قال: ثم من؟
قال: (ثم أبوك)
ويتمثل هذا الحق بالإحسان إليها بكل أنواع الإحسان القولية والفعلية والمالية. وبمقابل هذا الحق فعليها مسؤولية عظيمة، وأمانة كبرى، بل هي من أعظم مسؤولياتها في هذه الحياة.
ومنطلق هذه المسؤولية، قوله تعالى: ﴿ يَنَأْيها الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَتَبِكَة غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )
[التحريم: ٦].
قال الحسن: مروهم بطاعة الله وعلموهم الخير وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (كلكم
راع وكلكم مسؤول عن رعيته) () قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (وصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم، فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه ،سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا ولم ينفعوا آبائهم كباراً، كما عاب بعضهم ولده على العقوق، فقال: يا ابت إنك عققتني صغيراً فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً"() هذا إجمال في مسؤولية الأبوين، أما مسؤولية الأم فهي كالآتي: أولاً: اختيار والد ابنها: - بداية الاهتمام والمسؤولية هو مرحلة الاختيار الصعبة في قبول والد أطفالها، فلا تقبل كل من تقدم لها ممن يريد نكاحها والزواج منها، بل جعل الرسول صلى الله عليه وسلم معايير واضحة للمقبول زوجاً، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) ()
فالمعيار ثلاثة أمور الدين الخلق العقل فإذا توفرت هذه الأمور الثلاثة فتقبل به، وهذا
يخالف ما عيله نظرة كثير من الناس اليوم، فمن ناظر إلى مال المتقدم أو شهادته العلمية أو وظيفته الرسمية، أو مكانته الاجتماعية، أو شكله وهيئته، أو بروزه وشهرته، وكل هذه المعايير ونحوها ليست بشيء مقابل ما وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم. لماذا؟ لأن السعادة والحياة الطيبة وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة تكمن في تلك المعايير. فيلا دين تتعرض المرأة للظلم، وأولادها للضياع والانحراف. وبلا خلق تتعرض لسوء المعاملة، وأولادها للتناقض في الشخصية. وبلا عقل تتعرض لعدم الطمانينة والحياة الطيبة وأولادها لعدم الاستقامة، فالأب المتدين الخلوق العاقل هو الذي سيربي أولادها ويعينها على تنشئتهم النشأة الصالحة، ويحرص عليهم خلقاً وسلوكاً. ثانياً: رعايته جنيناً:
الاهتمام بالجنين منذ وقوعه في رحمها نطفة، فتراعي صحته وما ينفعه، وذلك من خلال أكلها وشربها وحركتها، فمن المعلوم أن الحامل تتعرض أثناء حملها الطويل لكثير من المواقف فتنتبه إلى ذلك، لأجل أن يخرج جنينها سالماً معافى وهذا يعين على تربيته صحياً وجسمياً وعقلياً. ثالثاً: رعايته وليداً:
التعاون مع والده عند وضعه في القيام بحقوقه في هذه المرحلة والمتمثلة بما يلي:
الأذان بأذنه اليمنى ليكون أول ما يسمعه كلمة التوحيد.
تسميته بالاسم الحسن والحذر من التسمية بالأسماء القبيحة أو الدالة على معان سيئة، أو بأسماء الكفار، أو المحذورة شرعاً.
حلق رأسه في اليوم السابع من ولادته مع تسميته.
التصدق بوزن شعر رأسه فضة. العق عنه، وذلك عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، قال عليه الصلاة والسلام: (الغلام مرتهن بعقيقته، يذبح عنه يوم السابع ويسمى ويحلق رأسه) (۱) تعويده على النطق بالتوحيد، وغرس المعاني السامية في نفسه وبخاصة في الخمس سنوات الأولى، فيذكر بعض الباحثين أن الطفل يتعلم في سنواته الأولى أكثر بكثير مما يتصوره الآباء، فإن ۹۰٪ من العملية التربوية تتم في سنواته الأولى، فمن المهم استغلال هذه الفترة بما ذكر آنفاً وبما سيأتي تفصيلاً. يقول ابن الجوزي رحمه الله : أقوم التقويم ما كان في الصغر، فأما إذا ترك الولد وطبعه فنشأ عليه ومرن
كان صعباً قال الشاعر:
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت
ولا يلين إذا قومته الخشب
قد يقع الأدب الأحداث في مهل
وليس ينفع في ذي الشيبة الأدب
ومما يذكر هنا:
تعويد الطفل النطق بالأذكار : لا إله إلا الله محمد رسول الله سبحان الله الحمد لله، الله أكبر ، لا حول ولا قوة إلا بالله، وغيرها. غرس محبة الله في نفس الطفل. عظمة الله ووجوب خشيته في نفسه. غرس غرس مراقبة الله وإطلاعه على الناس. تعويده على الكلمات الطيبة مثل: أحسنت، شكراً، جزاك الله خيراً.
تعويده الأدعية المهمة، أذكار النوم، الطعام، دخول دورة المياه. تعويذ الأطفال كما كان رسول الله ﷺ يفعل ذلك مع الحسن والحسين بأن تقول: أعيذك بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة ومن كل عين ،لامة، حتى لا يتعرض لهم الشيطان.
للموضوع ده بقية