أطر مسؤولية المرأة المسلمة الإطار الأول: مسؤوليتها عن نفسها
تتحدد مسؤولية المرأة المسلمة ضمن أطر عدة هي: الإطار الأول: مسؤوليتها عن نفسها
تكمن مسؤوليتها عن نفسها بما يلي: :أولاً: في إيمانها بربها عز وجل وهو أعظم المسؤوليات وأوجب الواجبات وأهم المهمات، ففي الآيات السابقة) اشترط الله سبحانه وتعالى حسن الجزاء بالإيمان به سبحانه قال تعالى: ﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّلِحَتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوَلَتَبِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (3) ) [النساء: ١٢٤]، وغيرها من الآيات المشابهة لها. هذا الإيمان المتمثل بأركان الإيمان الستة.
الإيمان بالله : بمعنى الإيمان بتوحيد الله تعالى بأقسامه الثلاثة توحيده في أفعاله سبحانه، فتؤمن المسلمة بأن الله هو المالك المتصرف الخالق الرازق، قال تعالى ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَلِكِ يَوْمِ الدِّين ) [الفاتحة: ٢-٤] وغيرها من الآيات كثير. وهذا هو توحيد الربوبية.
وتوحيده في أفعال العباد فتؤمن المسلمة بأن الله سبحانه وتعالى هو المستحق للعبادة وحده دون سواه، وأن تصرف جميع أنواع العبادة له سبحانه فتصلي الله، وتزكي الله، ولا تدعو إلا الله، ولا تستغيث إلا بالله، وتطيع والديها من أجل الله، وتتحجب طاعة الله، وتطيع زوجها طمعاً فيما عند الله .. وهكذا، قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون ﴾ [الذاريات: ٥٦] وهذا هو توحيد الألوهية أو توحيد العبادة.
وتوحيده في أسمائه وصفاته، فتثبت الله سبحانه وتعالى الأسماء الحسنى والصفات العلى من غير تأويل لها ولا بحث في كيفيتها ولا تشبيه لها بصفات المخلوقين ولا تعطيل لها عن معانيها، قال تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [الشورى: ١١]. وتعبد الله تعالى من خلال هذه الأسماء الحسنى ب لإيمان بالملائكة: فتؤمن المسلمة بأن الله ملائكة يعبدون الله ليلاً ونهاراً لا يفترون وأن عليهم مهمات يقومون بها، ومنهم من فصل لنا اسمه ومهمته كجبريل الموكل بالوحي وإسرافيل الموكل ينفخ الصور، وهناك ملك للجبال، وللريح ولمحاسبة العباد وكتابة أعمالهم، فكل شخص وکل به ملكان يكتبان كل ما يصدر عنه من قول أو فعل، قال تعالى: ﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَن الْيَمِينِ وَعَنِ الشَّمَالِ فَعِيدٌ : ما يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )
والصفات العلى فتثبت أن الله هو الرحمن الرحيم فتطلب الرحمة منه، وأنه هو الرازق ذو القوة المتين فتطلب الرزق منه، وأنه الشافي الكافي فتطلب شفاء مرضها منه، وأن الله غفور غفار فتطلب المغفرة منه ، وأنه عفو كريم فتطلب العفو منه ... .. وهكذا.
[ق: ۱۷ ، ۱۸].
الإيمان بكتب الله تعالى المنزلة على رسله المجمل ذكره في الكتاب والسنة ،والمفصل، وقد فصل لنا منها أربعة التوارة التي أنزلت على موسى، والإنجيل الذي أنزل على عيسى، والزبور الذي أوتيه ،داود والقرآن الذي أنزل على محمد ، وأن القرآن الكريم هو آخرها وخاتمها وناسخها، ولا تجوز عبادة الله تعالى إلا بما جاء فيه. الإيمان بالرسل الذين أرسلهم الله تعالى للناس: يبشرونهم وينذرونهم، ويبلغونهم بوجوب عبادة ربهم ومن هؤلاء الرسل من سمى لنا، ومنهم من لم يسم فتؤمن المسلمة بمن ذكر تفصيلاً بأسمائهم، ومن لم يذكر تؤمن به إجمالاً. وأولهم نوح عليه السلام، وآخرهم محمد ﷺ الذي هو خاتمهم وآخرهم لا نبي بعده، وأرسل إلى الناس كافة جنهم وإنسهم، ولا تجوز عبادة الله تعالى إلا بما شرع . والإيمان باليوم الآخر : ابتداء بمقدمات نهاية الإنسان من هذه الحياة وبموته وانتقاله إلى حياة أخرى، وبفتنة القبر ونعيمه وعذابه، وبأشراط الساعة الصغرى والكبرى، ثم البعث والنشور ، والحشر، والجزاء، والحساب، والعرض والصراط، وختاماً بالجنة والنار. هذه عقيدة المسلمة التي يجب أن تربي نفسها عليها وتبقى مسؤولة عنها.
ثم ما يتبع ذلك الإيمان من مقتضيات ومستلزمات مثل محبة الله تعالى والإخلاص له ورجائه والخوف منه وتعلم ذلك والصبر عليه، وتحذر من مخالفات هذه العقيدة ونواقض الإيمان، وعلى رأسها الشرك بالله تعالى، والكفر والنفاق والاستهزاء بالله تعالى أو برسوله ، وبدينه وبما شرع، أو صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى، أو اعتقاد أن حكم غير الله مساءٍ أو أفضل من حكم الله تعالى، وأن البشرية تسعد كما تسعد في حكم الله تعالى، أو أن الزمان عفى على أحكام الله تعالى، وبقيت موروثات مقدسة ولا عمل لها في هذه الحياة، أو عمل السحرة والكهانة وتتبع السحرة والمشعوذين والدجالين، وغير ذلك من نواقض الإيمان. فعلى المؤمنة أن تحذر من الوقوع في هذا الشرك الخطير فهي مكلفة بالإيمان، وبالحذر مما يناقض الإيمان. ثانياً: ومن مسؤولياتها عن نفسها العلم وأقصد به العلم الشرعي الذي يقوم به دينها، لأن هذا الدين لا يقوم إلا بالعلم، العلم بالله تعالى والعلم برسوله ، والعلم بدينه وبما شرع وهذا العلم ينقسم إلى قسمين: فرض عين على كل مسلمة ومسلمة، وهو ما كان معلوماً من الدين بالضرورة، أو بعبارة أخرى: ما لا يقوم الدين إلا به، مثل: أحكام الإيمان بالله إجمالاً، وأحكام الطهارة، وأحكام الصلاة، فتتعلم المرأة المسلمة كيف تتظهر؟ وكيف تصلي ؟ وكيف تصوم؟ وكيف تؤدي حقوق زوجها؟ وكيف تربي أولادها ؟ وكل ما هو واجب عليها. ومنه ما هو فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين وهذا يحسن بالمسلمة أن تبادر إليه وأن تنهل منه، فهو الذي جاءت النصوص القرآنية والنبوية بالإشادة به وبيان فضله وعظم شأنه وشأن أهله، وعلو مكانتهم، وتفضيلهم على غيرهم، لأنهم ورثة محمد .
قال ابن عبد البر الأندلسي - رحمه الله: (أجمع العلماء على أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصة نفسه، ومنه ما هو فرض على الكفاية... إلى أن قال: والذي يلزم الجميع فرض من ذلك ما لا يسع الإنسان جهله من جملة الفرائض المفترضة عليه).
إن من تكريم الإسلام للمرأة المسلمة أن جعل فضيلة التعلم والتعليم للمرأة كما هي للرجل، ولم يخص بها الرجل دون المرأة. وجمع الآيات والأحاديث الدالة على فضل العلم والتعلم للرجل والمرأة على السواء، مثل قوله تعالى ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَتِ ﴾ [المجادلة: ١١]، وقوله قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) [الزمر: ٩] وقوله تعالى: ﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا )[ طه : ١١٤].
وقول الرسول عليه الصلاة والسلام ) من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاءً لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)
وغيرها من النصوص، وكلها شاملة للرجل والمرأة على السواء، وهكذا تمثلت نساء الجيل الأول، فهذه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تضرب اروع الامثلة لطالبات العلم
والمتسابقات فيه، حتى إنها كانت من أكثر الصحابة رضي الله عنهم رواية للحديث، ومرجعا لهم في كثير من المسائل واستدركت على بعض الصحابة في بعض الأحكام.
وغيرها من النساء كثير )
وقد ناقش الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الزنيدي مسؤولية المرأة العلمية والثقافية، وذلك في كتيب بعنوان
(مسؤولية المرأة الثقافية)، حيث ذكر أولاً صور التحدي الذي تواجهه المسلمة في هذا العصر، وضمنه صوراً الصورة الأولى عدم وضوح التصور الإسلامي وبعبارة أخرى ما يعتري عقيدتها الإسلامية من تشويش فينحرف تصورها العقدي عن الألوهية أو الحياة أو الكون فتعبد الله بعقيدة مهلهلة.
الصورة الثانية: موقع المرأة الاجتماعي في علاقتها بالرجل، وبيان ذلك في موقف بعض الرجال الموقف السلبي تجاه أسرته، وهي العلاقة التي تعتبرها المرأة المسلمة تحدياً لها حيث لا تتوازن علاقة المرأة والرجل مع الأسرة، فبينما تكون علاقة المرأة مع الأسرة قوية فإن الرجل يخل بها ولا يعيها تمام الوعي.
الصورة الثالثة البلبلة الفكرية التي يموج بها هذا العصر حيث الثقافات الوافدة التي ضغطت على المرأة المسلمة وأوقعتها في تناقض غريب مقيت حتى أصبح الفن والرقص وغيرها من أولويات ما تهتم به امرأة اليوم، وهذا تحد صارخ وكبير .
الصورة الرابعة: الإعلام، ولا شك أنه تحد كبير أيضاً بما يحمل في طياته من غث وسمين، وبما يبث من ثقافة محاربة للدين مغيرة لشخصية المسلمة، ثقافة تربي الأطفال على مسخ شخصياتهم والانحراف بفطرهم عن الحق والمسلمة تعيش في وسط هذا الجو الملوث بما يعكر عليها صفو مسيرتها في هذه الحياة.
وأزيد هنا صورة خامسة وهي: الفساد الأخلاقي المركز الذي يسير بعمق في بعض مجتمعات المسلمين ويهجم على المرأة المسلمة هجوماً شرساً، ويصور لها بعكس
حقیقته مثل ما يرد في ردهات الفن من أمور غير اخلاقية وما تصور فيه بعض تعاليم الدين بالرجعية والناس فانتشر من خلال ذلك فساد عريض فيه، فالزواج قيد، والانحلال تمتع، وهكذا. تقليداً لأمة الغرب وصورة سادسة عولمة المرأة إن صح التعبير، وهو ما - يدعو إليه الغرب الكافر بأن تكون المرأة المثلى هي المرأة - الغربية المساوية للرجل في الحقوق، والعاملة مثله في المصانع، وعارضة الأزياء وغير ذلك. وهذا التحدي بدأ يظهر في مؤتمراتهم التي يدعون إليها وترعاه الأمم المتحدة وتنادي بمبادئه، مثل اعتبارهم المرأة العاملة هي المرأة المعتبرة، وربة البيت ينظر إليها باعتبارها متخلفة، ويدخل في ذلك تغيير بعض المصطلحات مثل استخدامهم كلمة (المساواة) للتعبير عن إزالة الفوارق بين الرجل والمرأة، وكلمة (التنمية) للتعبير عن الحرية الجنسية والانحلال الأخلاقي.
لكن رغم هذه التحديات إلا أن بوارق الأمل من اللاتي فهمن دينهن ووعين مخططات أعدائهن لا زالت تبرق بوضوح، فتبهج النفس، وتملؤها ثقة واطمئناناً .